فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

{وجاوزنا بِبَنِى إِسْرَائِيلَ البحر فَأَتَوْاْ على قَوْمٍ يَعْكُفُونَ على أَصْنَامٍ لَّهُمْ}.
يقول: مروا على قوم يعني: يعبدون الأصنام ويقومون على عبادتها، وكل من يلازم شيئًا ويواظب عليه يقال: عكفه.
ولهذا سمي الملازم للمسجد معتكفًا {قَالُواْ يَا موسى اجعل لَّنَا إلها} قال الجهال من بني إسرائيل لموسى {اجعل لَّنَا إلها} نعبده {كَمَا لَهُمْ ءالِهَةٌ} يعبدونها {قَالَ} لهم موسى: {إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} يعني: تكلمتم بغير علم وعقل، وجهلتم الأمر. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَجَاوَزْنَا} قطعنا {ببني إِسْرَائِيلَ البحر} بعد الآيات التي رأوها والعير التي عاينوها.
قال الكلبي: عبر بهم موسى يوم عاشوا بعد هلاك فرعون وقومه وصام يومئذ شكرًا لله عزّ وجل: {فَأَتَوْاْ} فمرّوا {على قَوْمٍ يَعْكُفُونَ} يصلّون، قرأ حمزة والكسائي يعكفون بكسر الكاف والباقون بالضم وهما لغتان {على أَصْنَامٍ} أوثان {لَّهُمْ} أوثان لهم كانوا يعبدونها من دون الله عزّ وجلّ.
قال ابن جريج: كانت تماثيل بقر وذلك أوّل شأن العجل.
قال قتادة: كانوا أُولئك القوم من لخم وكانوا هؤلاء بالرمة، وقيل: كانوا من الكنعانيين الذين أمر موسى بقتالهم فقالت بنو إسرائيل له عندما رأوا ذلك {قَالُواْ ياموسى اجعل لَّنَا إلها} تمثالًا نعبده {كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ} موسى {إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} عظمة الله ونعمته وحرمته.
وروى معمر عن الزهري عن أبي واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حنين فمررنا بشجرة خضراء عظيمة فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا هذه ذات أنواط كما للكفّار ذات أنواط. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة والذي نفسي بيده لتركبنّ سنن مَنْ كان قبلكم».
وروي عنه عليه السلام أنه قال: «لا تقوم الساعة حتّى تأخذ أُمّتي أخذ الاُمم قبلها شبرًا بشبر وذراعًا بذراع كما قالت فارس والروم». اهـ.

.قال ابن عطية:

قرأ جمهور الناس {وجاوزنا} وقرأ الحسن بن أبي الحسن: {وجوزنا} ذكره أبو حاتم والمهدوي، والمعنى قطعناه بهم وجزعناه وهذه الآية ابتداء خبر عنهم، قال النقاش: جاوزوا البحر يوم عاشوراء، وأعطي موسى التوراة يوم النحر القابل بين الأمرين أحد عشر شهرًا، وروي أن قطعهم كان من ضفة البحر إلى ضفة المناوحة الأولى وروي أنه قطع من الضفة إلى موضع آخر منها.
قال القاضي أبو محمد: فإما أن يكون ذلك بوحي من الله وأمر لينفذ أمره في فرعون وقومه وهذا هو الظاهر، وإما بحسب اجتهاد موسى في التخلص بأن يكون بين وضعين أوعار وحايلات، ووقع في كتاب النقاش أنه نيل مصر.
قال القاضي أبو محمد: وهذا خطأ لا تساعده رواية ولا يحتمله لفظ إلا على تحامل، وإنما هو بحر القلزوم و{القوم} المشار إليهم في الآية العرب، قيل هم الكنعانيون، وقال قتادة وقال أبو عمروان الجوني: هم قومن من لخم وجذام، والقوم في كلام العرب الرجال خاصة، ومنه قول زهير:
ولا أدري وسوف إخال أدري ** أقوم آل حصن أم نساء

ومنه قوله عز وجل: {لا يسخر قوم من قوم.... ولا نساء من نساء} [الحجرات: 11] وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم وابن عامر {يعكُفون} بضم الكاف، وقرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو في رواية عبد الوارث عنه {يعكِفون} بكسرها وهما لغتان والعكوف: الملازمة بالشخص لأمر ما والإكباب عليه، ومنه الاعتكاف في المساجد ومنه قول الراجز: [الرجز]
عَكْفَ النَّبِيطِ يَلْعَبُون الفَنْزَجَا

والأصنام في هذه الآية قبل كانت بقرًا على الحقيقة، وقال ابن جريج: كانت تماثيل بقر من حجارة وعيدان ونحوه وذلك كان أول فتنة العجل.
قال القاضي أبو محمد: والظاهر من مقالة بني إسرائيل لموسى: {اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة} أنهم استحسنوا ما رأوه من آلهة أولئك القوم فأرادوا أن يكون ذلك في شرع موسى وفي جملة ما يتقرب به إلى الله، وإلا فبعيد أن يقولوا لموسى: اجعل لنا صنمًا نفرده بالعبادة ونكفر بربك، فعرفهم موسى أن هذا جهل منهم إذ سألوا أمرًا حرامًا فيه الإشراك في العبادة ومنه يتطرق إلى إفراد الأصنام بالعبادة والكفر بالله عز وجل، وعلى هذا الذي قلت يقع التشابه الذي قصه النبي صلى الله عليه وسلم في قول أبي واقد الليثي له في غزوة حنين إذ مروا على دوح سدرة خضراء عظيمة: اجعل لنا يا رسول الله ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، وكانت ذات أنواط سرحة لبعض المشركين يعلقون بها أسلحتهم ولها يوم يجتمعون إليها فيه، فأراد أبو واقد وغيره أن يشرع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها ذريعة إلى عبادة تلك السرحة، فأنكره وقال: «الله أكبر قلتم والله كما قالت بنو إسرائيل {اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة} لتتبعن سنن من قبلكم».
قال القاضي أبو محمد: ولم يقصد أبو واقد بمقالته فسادًا، وقال بعض الناس كان ذلك من بني إسرائيل كفرًا ولفظة الإله تقتضي ذلك، وهذا محتمل، وما ذكرته أولًا أصح عندي والله تعالى أعلم. اهـ.

.قال ابن العربي:

قَوْله تَعَالَى: {قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}.
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي مَعْرِضِ الذَّمِّ: «لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ خَرِبٍ لَدَخَلْتُمُوهُ».
وَثَبَتَ أَنَّهُ «قَالَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ لِأَصْحَابِهِ، وَقَدْ قَالُوا لَهُ: اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ. فَقَالَ: هَذَا، كَمَا قَالَ مَنْ قَبْلَكُمْ: {اجْعَلْ لَنَا إلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}»؛ فَحَذَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتِّبَاعَ الْبِدَعِ، وَأَمَرَ بِإِحْيَاءِ السُّنَنِ، وَحَثَّ عَلَى الِاقْتِدَاءِ، وَعَنْ هَذَا قُلْنَا: إنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ زَادَا فِي صِيَامِهِمْ بِعِلَّةٍ رَأَوْهَا، وَجَعَلُوهُ أَكْثَرَ مِنْ الْعَدَدِ الْمَعْرُوفِ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ بَعْدَ أَنْ حَضَرَ مَعَهُ الْمَوْسِمَ فَصَلَّى مَعَهُ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، فَقِيلَ لَهُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: رَأَيْت أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ يَفْعَلُهُ، فَكَانَ عُثْمَانُ يُتِمُّ فِي السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ مُفْسِدًا لِعَقَائِد الْعَامَّةِ، فَرَأَى حِفْظَ ذَلِكَ بِتَرْكِ يَسِيرٍ مِنْ السُّنَّةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: رَأَى قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْجَفَاءِ أَنْ يَصُومُوا ثَانِيَ عِيدِ الْفِطْرِ سِتَّةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَاتٍ إتْمَامًا لِرَمَضَانَ، لِمَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَسِتًّا مِنْ شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ» خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ.
وَهَذِهِ الْأَيَّامُ مَتَى صِيمَتْ مُتَّصِلَةً كَانَ احْتِذَاءً لِفِعْلِ النَّصَارَى، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُرِدْ هَذَا، إنَّمَا أَرَادَ أَنَّ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ فَهُوَ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَمَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ فَهِيَ بِشَهْرَيْنِ وَذَلِكَ الدَّهْرُ.
وَلَوْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ شَوَّالٍ لَكَانَ الْحُكْمُ فِيهَا كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِكْرِ شَوَّالٍ لَا عَلَى طَرِيقِ التَّعْيِينِ؛ لِوُجُوبِ مُسَاوَاةِ غَيْرِهَا لَهَا فِي ذَلِكَ؛ وَإِنَّمَا ذَكَرَ شَوَّالَ عَلَى مَعْنَى التَّمْثِيلِ، وَهَذَا مِنْ بَدِيعِ النَّظَرِ فَاعْلَمُوهُ. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {يعكفون} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر، ويعقوب: {يَعْكُفُون} بضم الكاف.
وقرأ حمزة، والكسائي، والمفضل: بكسر الكاف وقرأ ابن أبي عبلة: بضم الياء وتشديد الكاف.
قال الزجاج: ومعنى {يعكفون على أصنام لهم}: يواظبون عليها ويلازمونها، يقال: لكل من لزم شيئًا وواظب عليه: عَكَفَ يَعْكِفُ ويَعْكُفُ.
قال قتادة: كان أولئك القوم نزولًا بالرقة، وكانوا من لخم.
وقال غيره: كانت أصنامهم تماثيل البقر.
وهذا إخبار عن عظيم جهلهم حيث توهموا جواز عبادة غير الله بعدما رأوا الآيات. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَجَاوَزْنَا ببني إِسْرَائِيلَ البحر فَأَتَوْاْ على قَوْمٍ يَعْكُفُونَ على أَصْنَامٍ لَّهُمْ}.
قرأ حمزة والكِسائيّ بكسر الكاف، والباقون بضمها.
يقال: عَكَف يَعْكِف وَيَعْكُف بمعنى أقام على الشيء ولزمه.
والمصدر منهما على فُعول.
قال قتادة: كان أُولئك القوم من لَخْم، وكانوا نزولًا بالرِّقّة.
وقيل: كانت أصنامهم تماثيلَ بقر؛ ولهذا أخرج لهم السامِرِيّ عجلًا.
{قَالُواْ يا موسى اجعل لَّنَا إلها كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} نظيره قول جُهّال الأعْراب وقد رأُوا شجرة خضراء للكفار تُسَمَّى ذاتَ أنْوَاط يعظّمونها في كل سنة يومًا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذاتُ أنْوَاط.
فقال عليه الصلاة والسلام: «الله أكبر قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى {اجعل لَّنَا إلها كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} لتركَبُنّ سنَن مَن قبلكم حَذْوَ القُذّة بالقُذّة حتى إنهم لو دخلوا جُحْر ضَبٍّ لدخلتموه» وكان هذا في مَخْرَجه إلى حُنَين، على ما يأتي بيانه في براءة إن شاء الله تعالى. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {وجاوزنا ببني إسرائيل البحر} يعني وقطعنا ببني إسرائيل البحر بعد إهلاك فرعون وقومه وإغراقهم فيه يقال جاز الوادي وجاوزه إذا قطعه وخلفه وراء ظهره.
وقال الكلبي عبر موسى البحر يوم عاشوراء بعد مهلك فرعون وقومه فصامه شكرًا لله تعالى: {فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم} يعني فمر بنو إسرائيل بعد مجاوزة البحر على قوم يعكفون أي يقيمون ويواظبون على أصنام لهم يعني تماثيل لهم كانوا يعبدونها من دون الله.
قال ابن جريج: كانت تلك الأصنام تماثيل بقر وذلك أول شان العجل.
وقال قتادة: كان أولئك القوم من لخم وكانوا نزولًا بالرقة يعني بالرقة ساحل البحر وقيل كان أولئك الأقوام من الكنعانيين الذين أمر موسى بقتالهم {قالوا} يعني قال بنو إسرائيل لموسى لما رأوا ذلك التمثال {يا موسى اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة} يعني كما لهم أصنام يعبدونها ويعظمونها فاجعل لنا أنت إلهًا نعبده ونعظمه.
قال البغوي رحمه الله: ولم يكن ذلك شكًا من بني إسرائيل في وحدانية الله تعالى وإنما معناه اجعل لنا شيئًا نعظمه ونتقرب بتعظيمه إلى الله تعالى وظنوا أن ذلك لا يضر الديانة وكان ذلك لشدة جهلهم وقال غيره هذا يدل على غاية جهل بني إسرائيل وذلك أنهم توهموا أنه يجوز عبادة غير الله تعالى بعد ما رأوا الآيات الدالة على وحدانية الله تعالى وكمال قدرته وهي الآيات التي توالت على قوم فرعون حتى أغرقهم الله تعالى في البحر بكفرهم وعبادتهم غير الله تعالى فحملهم جهلهم على أن قالوا لنبيهم موسى اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة فرد عليهم موسى بقوله: {قال إنكم قوم تجهلون} يعني تجهلون عظمة الله تعالى وأنه لا يستحق أن يعبد سواه لأنه هو الذي أنجاكم من فرعون وقومه فأغرقهم في البحر وأنجاكم منه.
عن أبي واقد الليثي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى غزوة حنين مر بشجرة للمشركين كانوا يعلقون عليها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط فقالوا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله هذا كما قال قوم موسى اجعل إلهًا كما لهم آلهة والذي نفسي بيده لتركبن سنن مَن كان قبلكم» أخرجه الترمذي. اهـ.